كثر الكلام عن الهاتف الذكي الآيفون وتجسسه على مستخدميه. وكل يوم تأتينا في البريد الإلكتروني قصة فلان أو فلانة مع هذا الجهاز العجيب. وقد جاءتني رسالة فيها صورة لخطاب رسمي لإحدى الجهات العسكرية تمنع دخول الجهاز إلى مواقعها، ومن يحمله عليه أن يبقيه عند البوابة.
أنا أستخدم الآيفون فلا مجال لاتهامي بأني ضده. وأقول بأن كل الأجهزة المتصلة بالشبكة العالمية (الإنترنت) تتجسس علينا، سواء أكانت حاسبات مكتبية أو محمولة أو هواتف ذكية. بل حتى الهواتف غير الذكية، الجوال أو هاتف المنزل، يتجسس عليك مادام يبث كلامك ويرسل شفرتك. وقد أقر الاتحاد الأوربي قانوناً يحتفظ بموجبه بتسجيلات المكالمات لمدة ستة أشهر، مما يعني أن المكالمات مسجلة.
وكل رسالة ترسلها بالبريد الإلكتروني أو محادثة على المسنجر أو السكايب يستطيع عدة أشخاص قانونياً رؤيتها، بدءاً من شركة البريد الإلكتروني إلى الشركة المزودة لخدمة الإنترنت إلى بوابة الإنترنت في البلد الذي أنت فيه، ومثلهم في البلد المرسَل إليه. والمرأة المحجبة إذا ظهرت بلا حجاب أمام المسنجر أو السكايب أو عدسة المكالمات المصورة أو ما يماثل هذا عليها أن تعلم أن صورتها مكشوفة لعدد من الناس في الطريق.
قبل عصر الجوال جاءت الهواتف اللاسلكية فرأى الناس فيها خدمة جميلة، حيث أستطيع أن أحمل جهازي بعيدا عن ضجة الأولاد لأكلم محدثي. أو قد يبتعد أحدنا لأنه لا يريد أن يسمع حديثه أحد. لكن هيهات، فالأجهزة اللاسلكية، وخصوصاً القديمة منها يتم التقاط بثها براديو الـ إف إم. وقد حدثني شاب أنه كان عندما يأوي إلى فراشه ويصيبه الأرق يفتح الراديو ويستمع وبكل بساطة إلى الناس الذين يستخدمون الهاتف اللاسلكي.
كل البرامج التي تم تنزيلها على حاسبك تقوم بتحديث نفسها دورياً، بعضها يسألك قبل التحديث وبعضها لا يسألك. أليست تتجسس على حاسبك؟ وإلا كيف علمت أن النسخة التي عندك تحتاج لتحديث؟.
منذ أيام كنت في زيارة قريب لي، فوجدت ولديه يلعبان بجهاز وي Wii على شاشة التلفاز. وكانت اللعبة سباق دراجات. سألتهم: أنتم اثنان لكني أرى تسعة أسماء على الشاشة، فكيف هذا؟ قالا: نحن نلعب أونلاين مع أولاد من بلدان مختلفة لا نعرفهم ولا يعرفوننا! ولا أدري إلى أي درجة يرى المتنافسون ما عند غيرهم.
فمن لا يريد نشر معلوماته الشخصية، وبخاصة الصور، فلا يضعها على حاسب متصل بالشبكة، ولا على جوال.
وعودة إلى الآيفون. فمن أبسط برامجه تحديد اتجاه القبلة للصلاة. فكيف يقوم بتحديدها إن لم يكن يعرف أين أنت؟ إنه يستخدم نظام تحديد المواقع GPS الموجود فيه ليحدد مكانك وبالتالي يعطيك اتجاه القبلة.
لكن قصة تجسس الآيفون الأخيرة جاءت من برنامج يسمح لك بمعرفة الذين يحملون آيفون في المنطقة التي أنت فيها. وبالتالي يعرف الآخرون بوجودك، وقد يكون هناك برامج تسهل لهم الدخول إلى جهازك. ولا أظن أن الأمر صعب، فمنذ عشر سنوات كنت أبحث في الشبكة عن حماية الحاسب من الهاكرز فوصلت إلى كمية هائلة من البرامج التي تشرح لمستخدميها كيفية الدخول على حواسيب الناس، وأسوأ شيء أن بعضها كان يوضح طرقا لا تجعل مستخدمها مخالفاً للقانون.
رُب سائل يسأل ماذا نفعل والبشر يمكن أن يتجسسوا علينا؟ والأجهزة التي اشتريناها لرفاهيتنا تشهد على أعمالنا؟ والجواب: امشِ عِدل تحيّر أعداءك. لكن الأهم يا عزيزي أن تعلم أن خالق البشر رقيب عليك وأن تتذكر الآية الكريمة (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).