وظيفة مرموقة للأغبياء فقط
كتبه سيد أمين
اخشي أن يأتى يوم نقرأ فيه أعلانا فى الصحف يعبر فيه المعلن عن حاجته الماسة والعاجلة الى شخص يشغل منصبا مرموقا فى البلاد يتصل بتوجيه وإرشاد وتثقيف الناس ’ واشترط المعلن فى مواصفات هذا الشخص أن يكون "غبيا" كشرط أساسي , ولا مانع أن تتوافر فيه مع هذه الصفة أن يكون متبلدا وفاقدا للإحساس وشديد الرعونة والجهالة وقلة الأيمان.
ناهيك عن أنه يشترط أيضا فى تفاصيل تلك السمات ألا يكون هذا الشخص قد ضبط من قبل بالفهم أو حتى الإقدام عليه ’ فضلا عن كونه لم يغش الكتابة والقراءة ’ رغم كونه يحبذ أحاديث المثقفين والثقافة لدرجة انه حتما ولابد أن يكون الأعلى صوتا وقيمة ومقاما بينهم ساعيا لارتداء قناعاتهم والحديث بلسانهم الأمر الذى يؤهله الى منطقة ما لا منطق له وشرعنة ما لا تقبله شريعة أرضية أو سماوية وتبرير كل ما يخجل المرء عن تبريره ما لم يبد الإعجاب به.
وفى بند المهام يوكل لمن تتوافر فيه تلك الشروط مهمة تجهيل الناس’وإسقاط عقولهم فى أرجلهم وعواطفهم فى بطونهم وأحلامهم فى المراحيض ومقالب القمامة ’ وجعلهم مجرد كائنات بلا روح ولا عزيمة وتحويلهم من موتى فوق الأرض الى موتى تحت الأرض دون صخب أو ضجيج ’ فينتقلون من عذاب عباد الله الى عذاب رب العباد الذى صرفوا جل حياتهم دون خوف منه أو وجل وراحوا ينشغلون فى حياة لا تقدم لهم أو لأحفادهم نجاحا.
ويقول المعلن أنه سيتم توفير إمكانات جبارة لمن توكل له تلك المهمة ليتسنى له إخراجها فى الشكل الأمثل وطبقا للشروط والمواصفات ومنها انه سيوفر له العديد من كبريات وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمكتوبة ذائعة الانتشار من تلك الوسائل التى وضع على رأسها "أغبياء" مختارين بعناية من قبل ’ اجتازوا الاختبارات بنجاح منقطع النظير’ فأنتجوا بما توافر فيهم من مواهب جيلا كبيرا من الجهلة والأغبياء والانتهازيين.
وأخشى أن يضيف المعلن استعداده لتوفير جيش من أنصاف وأسداس وأرباع المثقفين ممن يمتلكون شطيرة من مخ من هؤلاء الموضوعين على قمة الهرم الثقافى والفنى حيث سيواصلون عملهم "التنظيرى" مستغلين قدرتهم على "الجدل" و"السفسطة" وخلط الحابل بالنابل فى أذهان العامة ’ علما بأن هؤلاء يقومون بهذا العمل من اجل إشباع حاجتهم المتنامية فى الشعور بارتفاع تلك الذات الممرغة بالوحل حتى ولو على حساب مستقبل الناس والحقيقة.
فضلا عن انه سوف يتم توفير ميزانية ضخمة للإنفاق على كل ما من شأنه انجاز تلك المهمة حيث سيتم الصرف ببذخ على المشخصاتية ولاعبى كرة القدم والعابثين والعابثات , وإظهار أعمالهم وكأنها انجازات قومية , وكذلك سيتم الإعلاء من شأن كل فعل وقيمة وصنعة خالية من الإبداع والمهارة ولا يمكن أن تفيد الناس فى شىء.
ويضيف المعلن انه سيغدق بشدة على سعيد الحظ بحيث سيمنح راتبا يزيد نحو ألف ضعف على اى راتب لأقرانه ، ناهيك عما سيمر من تحت المنضدة ومن خلالها ومن جانبيها , فضلا عن انه لن يجد من الوقت ما يدبره لتلبية نداءات الفلاشات والكاميرات والمعجبات والمجاملين والمجاملات والطامحين والطامحات.
نعم يا سادة .. لقد صارت البلادة والغباء هبة كبيرة من الله لعباده فى زماننا هذا ’ فقد اختلطت الأمور وصار عصيبا على الواحد منا ان يفرق بين الصالح والطالح , أو يجد سببا موضوعيا واحدا لتفوق الغباء وانتصاره على العقل ’ او يرسم طريقا للباحثين العقلاء يحدد أوله الذى يقود الى أخره.
أقول ذلك , وأنا أؤكد أن المثقفين فى بلادنا لم يوحدوا شعوبنا بل زادوا الطين بله ’ والبعد فرقة , وقطعوا الأوردة المتهتكة ولم يضمدوها , وارتكبوا من الحماقات ما لم تفعله ذخائر العدو فينا.
أقول ذلك , وانا اعلم أن المثقف محارب ومنبوذ فى بلادنا , بينما يرتدى المخبرون كل أوشحة المعرفة والمال والنفوذ.
